تبت يدا َأبِي َلهبٍ و ت ب 1 ما َأغْنى عنه ماُله وما كَسب 2 سيصلَى نارا ذَات َلهبٍ 3
_ وامرأَته ح مالَةَ الْحطَبِ 4 فِي جِيدِها حبلٌ من مسدٍ 5
| | |
أبو لهب - [ واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ] هو عم النبي ع وإنما سمي أبو لهب لإشراق
وجهه، وكان هو وامرأته " أم جميل " من أشد الناس إيذاء لرسول الله ع وللدعوة التي جاء ا ..
قال ابن اسحاق : " حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عب اس قال : سمعت ربيعة بن عباد
الديلي يقول : " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله ع يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول ،
وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول الله ع على القبيلة فيقول : " يا بني فلان . إني رسول الله إليكم
آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئ ا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " وإذا
فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان . هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم
من الجن من بني مالك بن أقمس ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ، ولا تتبعوه . فقلت
لأبي: من هذا؟ قال عمه أبو لهب. [ ورواه الإمام أحمد والطبراني ذا اللفظ ].
فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول ع ، وكانت زوجته أم جميل في عونه في
هذه الحملة الدائبة الظالمة. [ وهي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ].
ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول الله ع منذ اليوم الأول للدعوة . أخرج البخاري -
بإسناده - عن ابن عباس ، أن النبي ع خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : يا صباحاه فاجتمعت إليه
قريش، فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ؟ أكنتم مصدقي ؟ قالوا: نعم. قال: فإني
نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب. ألهذا جمعتن ا؟ تبا لك . فأنزل الله " تبت يدا أبي لهب
وتب " .. . الخ. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم ! ألهذا جمعتن ا؟ ! فأنزل الله
السورة.
ولما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي ع ولو لم يكونوا على دينه ، تلبية لدافع
العصبية القبلية ، خرج أبو لهب على إخوته ، وحالف عليهم قريش ا، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها
بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا ع .
منبر التوحيد والجهاد
3
وكان قد خطب بنتي رسول الله ع رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبي ع فلما كانت البعثة
أمرهما بتطليقهما حتى يثقل كاهل محمد ما!
وهكذا مضى هو وزوجته أم جميل يثيراا حربا شعواء على النبي ع وعلى الدعوة ، لا هوادة
فيها ولا هدنة . وكان بيت أبي لهب قريبا من بيت رسول الله ع فكان الأذى أشد . وقد روي أن أم
جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي ؛ وقيل: إن حمل الحطب كناية عن سع يها بالأذى والفتنة
والوقيعة.
| | |
نزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته . وتولى الله - سبحانه - عن
رسوله ع أمر المعركة!
" تبت يدا أبي لهب وتب " .. والتباب الهلاك والبوار والقطع . " وتبت " الأولى دعاء . "
وتب " الثانية تقر ير لوقوع هذا الدعاء . ففي آية قصيرة واحدة في مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق ،
وتنتهي المعركة ويسدل الستار!
فأما الذي يتلو آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان.
" ما أغنى عنه ماله وما كسب " .. لقد تبت يداه وهلكتا وتب هو وهلك . فلم يغن عنه ماله
وسعيه ولم يدفع عنه الهلاك والدمار.
ذلك - كان - في الدني ا. أما في الآخرة فإنه : " سيصلى نارا ذات لهب " .. ويذكر اللهب
تصويرا وتشخيصا للنار وإيحاء بتوقدها وتلهبها.
" وامرأته حمالة الحطب " .. وستصلاها معه امرأته حالة كوا حمالة للحطب .. وحالة كو ا:
" في جيدها حبل من مسد " .. أي من ليف .. تشد هي به في النار . أو هي الحبل الذي تشد به
الحطب. على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو الشوك . أو المعنى اازي إن كان حمل الحطب كناية عن
حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة.
| | |
منبر التوحيد والجهاد
4
وفي الأداء التعبيري للسورة تناسق دقيق ملحوظ مع موضوعها وجوه ا، نقتطف في بيانه سطورا
من كتاب : " مشاهد القيامة في القرآن " نمهد ا لوقع هذه السورة في نفس أم جميل التي ذعرت لها
وجن جنوا:
" أبو لهب . سيصلى نارا ذات لهب .. وامرأته حمالة الحطب . ستصلاها وفي عنقها حبل من
مسد ..
" تناسق في اللفظ ، وتناسق في الصورة . فجنهم هنا نار ذات لهب . يصلاها أبو لهب ! وامرأته
تحمل الحطب وتلقيه في طريق محمد لإيذائه بمعناه الحقيقي أو اازي " .. والحطب مما يوقد به اللهب .
وهي تحزم الحطب بحبل . فعذاا في النار ذات اللهب أن تغل بحبل من مسد. ليتم الجزاء من جنس
العمل، وتتم الصورة بمحتوياا الساذجة : الحطب والحبل . والنار واللهب . يصلى به أبو لهب وامرأته
حمالة الحطب!
" وتناسق من لون آخر . في جرس الكلمات ، مع الصوت الذي يحدثه شد أحمال الحطب
وجذب العنق بحبل من مسد . اقرأ: " تبت يدا أبي لهب وتب " تجد فيها عنف الحزم والشد ! الش بيه
بحزم الحطب وشده. والشبيه كذلك بغل العنق وجذبه. والشبيه بجو الحنق والتهديد الشائع في السورة.
" وهكذا يلتقي تناسق الجرس الموسيقي ، مع حركة العمل الصوتية ، بتناسق الصور في جزئياا
المتناسقة، بتناسق الجناس اللفظي ومراعاة النظير في التعبير ، ويتسق مع جو الس ورة وسبب الترول . ويتم
هذا كله في خمس فقرات قصار، وفي سورة من أقصر سور القرآن " .
| | |
هذا التناسق القوي في التعبير جعل أم جميل تحسب أن الرسول ع قد هجاها بشعر . وبخاصة
حين انتشرت هذه السورة وما تحمله من ديد ومذمة وتصوير زري لأم جميل خاصة . تصوير يثير
السخرية من امرأة معجبة بنفسه ا، مدلة بحسبها ونسبه ا. ثم ترتسم لها هذه الصورة : " حمالة الحطب .
في جيدها حبل من مسد! " في هذا الأسلوب القوي الذي يشيع عند العرب!
قال ابن إسحاق : فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من
القرآن، أتت رسول الله ع وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فهر [
أي بمقدار ملء الكف ] من حجارة . فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله ع فلا ترى
منبر التوحيد والجهاد
5
إلا أبا بكر . فقالت: يا أبا بكر . أين صاحبك ؟ قد بلغني أنه يهجوني . والله لو وجدته لضربت ذ ا الفهر
فاه. أما والله واني لشاعرة! ثم قالت:
مذمما عصينا وأمره أبينا
ثم انصرفت . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ فقال: " ما رأتني ، لقد أخذ الله
ببصرها عني " ..
وروى الحافظ أبو بكر البزار - بإسناده - عن ابن عباس قال : لما نزلت : " تبت يد ا أبي لهب "
جاءت امرأة أبي لهب ، ورسول الله ع جالس ومعه أبو بكر . فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك
بشيء! فقال رسول الله ع : " إنه سيحال بيني وبينه ا " .. فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، فقالت:
يا أبا بكر ، هجانا صاحبك . فقال أبو بكر : لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به ، فقالت :
إنك لمصدق. فلما ولت قال أبو بكر: ما رأتك؟ قال: " لا. ما زال ملك يسترني حتى ولت " ..
فهكذا بلغ منها الغيظ والحنق ، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعرا [ وكان الهجاء لا
يكون إلا شعرا ] مما نفاه لها أبو بكر وهو صادق ! ولكن الصورة الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في
آياا، قد سجلت في الكتاب الخالد ، وسجلتها صفحات الوجود أيضا تنطق بغضب الله وحربه لأبي
لهب وامرأته جزاء الكيد لدعوة الله ورسوله ، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين لدعوة
الله في الدنيا، والنار في الآخرة جزاء وفاقا، والذل الذي يشير إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعا .. .